في ميلي لتر واحد من السائل المنوي للرجل العادي يوجد ما لا يقل عن 100 مليون نطفة .. كل واحدة منها مهيئة لتكوين إنسان جديد لو قدر لها الالتقاء ببويضة أنثوية ، لكن في حالات نادرة جدا يسعف ( القدر ) نطفة واحدة فقط من تلك الملايين الكثيرة.
تبقى النطفة حية و قادرة على الالقاح ما بين يومين او ثلاثة ، وبعدها تخور قوتها و تموت . والرحلة التي تقطعها النطفة بحجمها المجهري من مكان القذف حتى تصل الى البويضة تعادل الرحلة التي تمشيها انت من قارة الى قارة .
و لأن النطفة هي أنت ... و هي أنا ... عندما أتى علينا حينٌ من الدهر لم نكن فيه شيئا مذكورا
و لأن النسيان هو من طبع الإنسان
ساذكّرك بالحكاية من البداية ...
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كان ياما كان ، قبل حين من الزمان ..
كنت نطفة صغيرة حقيرة ،
أعيش في خصية مع نطاف كثيرة ،
ارتسمت في تلافيفها الغزيرة
خريطة الأوطان
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كنا بالملايين لكن بلا أسماء ،
نـحيا آمنين بصفاء وهناء ،
فرزقنا يأتينا رغدا بلا عناء ،
كأننا في جنة عدن نأكل من كل الثمرات أنى نشاء ...
حتى جاء اليوم الموعود ... و غمرنا الطوفان .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
على حين غرة ، دهمنا سيل من ماء دافق ،
خرج من بين الصلب و الترائب ،
وقذفنا ذاك الماء المهين ،
وألقى بنا في قرار مكين بدى
لنا سرمديا بوسع الأكوان
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تخبطنا وفزعنا
و كالسكارى تدافعنا ، في كل مكان
لا نعرف ما المصير .. ولا أين المسير
و في غمرة الهرج والمرج ..
أُلقى في روعنا صوتٌ داخلي رحيم ..
صوت أعاد فينا الأمان
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فأوحى لنا أن نسبح في رحلة من العدم إلى الوجود ،
و عبور برزخ يوصلنا إلى الوطن الموعود
و أخبرنا أن كل ما نحتاجه هو الإيمان
و أنّ الأقوى إيمانا سيكون ... إنسان
فحملنا الأمانة و هذا ما كان ..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في ذاك الحين من الدهر لم يكن لدينا عيون نرى بها ، ولا بشرة نتحسس بها معالم طريقنا الطويل
في ذاك الحين من الدهر لم يكن لدينا آذان نسمع بها توجيهات من هادٍ أو دليل
فلا ( المرشد الأعلى ) قادر أن يرشدنا ، ولا ( الحبر الأعظم ) يستطيع يهدينا سواء السبيل
في ذاك الحين من الدهر ما كان العلم لينفعنا و لا التكنولوجيا لتسعفنا ..فلا بوصلة و لا خارطة و لا أي بديل
في ذاك الحين من الدهر لم تكن معنا إلا يد الرحمن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
و بالإيمان انطلقنا نلهث في سباق الحياة المرير
إلا مجموعات قليلة أبت و أنكرت و ظلت تدور على نفسها في هذيان
دعونا نبقى هاهنا .. فالغذاء وفير.. والمكان و ثير و العمر قصير
فلماذا نصدق بوجود ارض الميعاد ، فما حياتنا إلا الآن .
نطافاً ملحدةً طواها النسيان ،
كسجناء محبوسين في اللا-مكان
فبأي آلاء ربكما تكذبان ؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وتابعنا المسير ...
لكن الرحلة شاقة و الطريق و عر و عسير
ما جعل نطافاً أخرى تتساءل في شك خطير
وما يدرينا أن هذا الصراط المستقيم هو الطريق الأول و الأخير ؟
دعونا نبحث عن صراط اقصر ، أو شرائع أيسر ، أو نعثر على طريق منعطف مثير.
فانحرفت طوائف و انشقت جماعات ، فمذاهب تذهب ذات اليمين و أخرى إلى اليسار تسير ...
ضلوا جميعا ، و قتلهم العصيان
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ومن بين الملايين لم يسلم إلا ألفا أو بعض ألف ..
فقالوا : نحن متعبون ، و لا يزال الوقت طويلا ، فلم التنافس في هذا الظرف ؟
اليوم خمر ، وغدا أمر ... وهذا هو العرف
فكانوا يسرعون تارة و يبطئون تارة ، كمن يسير على حرف
ربما وصلوا ... لكن بعد فوات الأوان.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مترنحا بين شفير الشك و شاطئ التصديق
دعوتُ الرحمن كدعاء الغريق
أنت دليلي و أنت الرفيق
و قوتي خارت ، فاهدني الطريق
و شيطاني يوسوس في مجرى الشريان
فصدق الوعد .. و انتصر الإيمان
وقال كن .. فكنتُ الإنسان
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ نـور ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 التعليقات:
بسم لله و مشاء الله عليك نفعكم الله واحسن اليكم.
إرسال تعليق