الأحد، 12 أكتوبر 2014

البصيرة / ( 5) كيف نحصل على نور العلم الباطن او البصيرة ؟




  كيف نحصل على نور العلم الباطن او البصيرة ؟ 5)



قلنا في المنشورات السابقة من هذه السلسلة ان العلم الباطن هو علم اشراقي ، أي هو إشعاع يشرق في القلب ، او هو نور يقذفه الله في القلب, وثمنه تقوى الله عزّ وجل، و طاعته

وان الشرط الأول لتلقي هذا النور هو ما يقوله هذا الأثر :

"
من عمل بما علم اورثه الله علم ما لا يعلم "
و قلنا ان هذا العِلمُ الباطن الخفيّ, يسمى بالبصيرة او الحكمة او الالهام ، و هو فهم خاص يؤتيه الله للخواص من عباده ، و هو ثمرة من ثمرات العبودية لله عزّ وجل ، وهو جزاء الصدق مع الله .

الإمام عليٍّ كرّمَ الله وجهه حينما سُئل: هل خصّكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيءٍ دون الناس يا آل بيته؟
فقال الإمام عليٌّ كرّمَ الله وجهه: لا, ما خصّنا بشيء، والذي فلقَ الحبَّ وبرأّ النسمة إلا فهماً يؤتيه الله عبداً في كتابه.

إذن هذا العلم لا يأتي بالنسب ، ولا بالتعلم و انما الشرط الأول لتلقيه هو :
من عمل بما علم اورثه الله علم ما لا يعلم

فما هي إذن بقية الشروط لتلقي هذا النور ؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ...

الشرط الثاني هو القلب الطاهر

فالبصيرة لا تشرق الا في القلوب الطاهرة
وهذا العلم الباطن لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ

جاء في الحديث القدسي قوله تعالى :
عبدي طهّرتَ منظرَ الخلق سنين, أفلا طهرّتَ منظري ساعة؟ 

ما هو منظر الله عزّ وجل؟ الى ماذا ينظر الله ؟ أليس الى القلب؟

"
إن الله لا ينظر الى صوركم ولا الى موالكم و لكن ينظر الى قلوبكم و اعمالكم "

قلبٌ فيه غِلّ, فيه حِقد, فيه حسد, فيه كِبر, فيه استعلاء, هذا القلب لن يقذف الله به نوراً أبداً، لن يتجلى عليه أبداً، لن يتحفَ صاحبه بمعرفةٍ إشراقية أبداً, طهّر قلبك ليكون بيتَ الرب، طهّر قلبك ليكون أهلاً أن يقذف الله به نوراً .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الشرط الثالث هو البدن الزكي

اي ان يكون جسدك قد غُذيَّ بالحلال ، و ما أكلَ حراماً قط

يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم :
((
يا سعدُ, أطب مطعمكَ تكن مستجاب الدعوة ))

فمن كان مأكله من حرام و ملبسه من حرام ، فأنى يستجاب له !
مهما دعى الله ..سيكون هناك حجاب بينه و بين الله ،و لن يستجاب له . ولن يقذف الله في قلبه نور البصيرة.
لذلك ترون ان الاغلبية العظمى من المسؤولين و الوزراء و الحكام العرب و من يطلق عليهم اعلامهم صفة ( القيادات الحكيمة الرشيدة) هم فعليا ذوي بصيرة عمياء ، ويتخبطون في قرارتهم
و ابعد الناس عن الحكمة لأن كل خلية من أجسادهم نبتت من مال حرام

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الشرط الرابع :
هو مجاهدة النفس و الهوى


 
العلم الباطن هو علم اشراقي و ثمنه تقوى و طاعة الله عزّ وجل، والمجاهدة
والامام الغزالي يقول : جاهد تشاهد

أما العلم الظاهر فهو علم يكتسب اكتسابا بالتعلم و ثمنه الدراسة و الجد في طلب العلم 
 الدارسة التي نحصل بها العلم الظاهر غير المجاهدة التي نحصل بها العلم الباطن 

 الدارسة هي انتباه , كتابة وقراءة, وتلخيص , وحفظ ، واستدلال منطقي .
 أما المجاهدة فغض بصر, وضبط لسان, وضبط جوارح , و تقرب الى الله و اتصال به.

"
جاهد تشاهد".

تريد علماً يكون في قلبك نوراً , تريد علماً تشعر معه انك أسعد الناس؛ وقد تكون أقل مالاً, وقد تكون أقل جاهاً,
تريد اتصالاً بالله؛ الاتصال ليس ثمنه المعلومات , الاتصال ثمنه الاستقامة والمجاهدة،

"
جاهد تشاهد".
من أراد الوصول و الإهتداء إلى سبيل الله فليطعه :

﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا﴾
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الشرط الخامس :
رياضةٍ خالصة لله عز و جل

الرياضة تعني تدريبات شاقة من ذكرٍ لله عزّ وجل, من صلاة النوافل, من قيام الليل, من تلاوة القرآن, و من خدمة الخلق, هذه سماها بعض علماء القلوب الرياضة

يقول الله عز و جل في الحديث القدسي :

"....
وَ لا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ ,
فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ ؛
كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ ,
وَ بَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ ,
وَ يَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا ,
وَ رِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا ,
وَ إِنْ سَأَلَنِي لأعْطِيَنَّهُ, وإن استعاذ بي أعذته
,....."

هل تعرف ماذا يعني ان يكون الله عز و جل هو بصرك الذي تبصر به ، وسمعك الذي تسمع به ؟!
أي أنك ستبصر ما لا يبصر الآخرون ، و ستسمع ما لا يسمعون

الثمن لذلك هو رياضةٌ خالصةٌ لله عزّ وجل، اي ان تصلي قيام الليل سرا ، لا ليعرف الناسَ أنك صليتَ قيام الليل،
ان تتصدق الى الفقراء دون ان تعلم شمالك ما أنفقت يمنيك ، لا ليعرف الناس أنكَ أحسنتَ إلى فلان،
الرياضةٌ يجب ان تكون خالصةٌ للهِ عزّ وجلو بعد ان تقوم بكل ذلك مع القلب الطاهر و البدن الزكي و المجاهدة و الهمة العالية ، عندئذ أصغ السمع جيدا ...

عندئذٍ سيسمعكَ الله عزّ وجل ما لا يسمع الآخرين ، و يريكَ ما لا يري الآخرين .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

و لكن ..
لا تطمع بهذه المعرفة، لا تطمع بهذه البصيرة، ولا تحدث نفسك بهذا العلم الإشراقي الباطن ، إلا إذا دفعتَ الثمن,
والثمن أن تتعلم العِلمَ الظاهر , وأن تُطبقه، أحكام الصلاة، أحكام الصيام، أحكام الحج، أحكام البيوع، أحكام الزواج،

مع القلب الطاهر و البدن الزكي و المجاهدة و الهمة العالية و التقرب الى الله بالنوافل ..عندئذ سيمنّ الله عليك بهذا النور
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*
هذا المنشور مستوحى مما تعلمته من خطب و محاضرات متعددة للشيخ راتب النابلسي

"
اللهم إني أعوذ بك أن أقول قولاً فيه رضاك, ألتمس به أحداً سواك".
"
اللهم إني أعوذ بك أن أتزين للناس بشيء يشينني عندك".
"
اللهم إني أعوذ بك أن أكون عبرة لأحد من خلقك"

0 التعليقات:

إرسال تعليق