الجمعة، 14 نوفمبر 2014

كيف نفهمُ النبيّ في آخر الزمان؟ (6/7) البصيرة



ذكرت في المنشور السابق أنه هناك رسائل نبوية مشفرة عابرة للأجيال في أحاديث آخر الزمان 

وأن تلك الشيفرات - برأيي - محصورة في الأمور التي تتطلب منطقيا من الرسول عليه الصلاة و السلام أن يوجهها للجيل الأخير في رسالة مشفرة ولا يستطيع الرسول أن يوصل الرسالة بلغة صريحة قاطعة

ومن بين تلك الرسائل المشفرة الإشارات المتعلقة بالتكتيكات العسكرية في معارك آخر الزمان و الخطط الإستراتجية التي يجب أن تكون سرية و لا يعرفها الا المعنيون بها مباشرة وأسماء الشخصيات الرئيسية في فتن و ملاحم آخر الزمان

فوجود الأعداء المتربصين و الذين يحاولون أن يكشفوا خطط المسلمين و لاسيما في الأحداث المفصلية 
هو أحد الأسباب الكثيرة التي جعلت الرسول عليه الصلاة و السلام يرسل توجيهاته الإستراتجية و تكتيكاته العسكرية بطريقة رمزية يصعب على الأعداء فهمها

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ولكن هل حقا لا تستطيع تكنولوجيا الأعداء اليوم اختراق هذه الرسائل و تحليلها ؟

ألا تستطيع مراكز البحوث التابعة لهم ان تفك هذه الشيفرات المصاغة بلغة عربية مبينة و المتاحة للجميع في كتب الحديث منذ عصور فتعرف مضمونها وتستبق الأحداث وتفسد خطط المسلمين؟

ألا يستطيعون اتباع نفس منهجية النظرة البانورامية الشاملة التي ذكرتها هنا في تحليل تلك الأحاديث و قطف ثمرتها مثلنا وفهم النبي في آخر الزمان؟

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الجواب هو لا 

لأن هذا الشيفرات محمية بكود سري، او بكلمة مرور 

وكلمة المرور تلك لا يمكن ان يمتلكها الا من يشاء الله له من المؤمنين حصرا

هي شيء خاص بالمؤمنين فقط، و لن يستطيع ان يفك الرسائل النبوية المشفرة غير المؤمنين بالله حتى لو قرأوها آلاف المرات

وكلمة السر هي : البصيرة 

لكن، ماذا نعني بالبصيرة ؟

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

البصيرة: هي علم باطن لا يُـكتسب بالتعلم كبقية العلوم الظاهرة، فلا يمكن لك ان تتحصل عليه بالدراسة، ولا يمكنك الاستحواذ عليه عن طريق الحواس او عن طريق القراءة أو ان يخبرك اياه أحد أو أن تقرأه في كتاب او تستمع اليه في محاضرة 

ولا يمكنك أيضا استنتاج هذا العلم الباطن عن طريق الاستدلال العقلي أو التحليل حتى لو فاق مقياس ذكائك آينشتاين

لأن البصيرة هي علم إشراقي، أي هي إشعاع يشرق في القلب، أو هي نور يقذفه الله في القلب، وثمنها تقوى الله عزّ وجل و طاعته.

الرسول عليه الصلاة و السلام يقول: 
اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور من الله

فإن تطيعوا الله عزّ وجل يقذف الله في قلوبكم نوراً، ترون به ما لا يرى الآخرون 


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

البصيرة إذن لا تنتقل عن طريق التعلم ولا تنتقل كذلك عن طريق الوراثة او بالنسب 

الإمام عليٍّ كرّمَ الله وجهه حينما سُئل: هل خصّكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيءٍ دون الناس يا آل بيته؟

فقال الإمام عليٌّ كرّمَ الله وجهه: لا، ما خصّنا بشيء، والذي فلقَ الحبَّ وبرأّ النسمة إلا فهماً يؤتيه الله عبداً في كتابه.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

إذن البصيرة هي ان تفهم كتاب الله و قوانينه التي تسيّر الكون

و هي أيضاً أن تطلّعَ على بواطن الأمور، و أن ترى الخلفيات، أن تقرأ ما بين السطور، أن تعرف المدلولات، أن تعرف القصد البعيد، أن تعرف المؤدى
أن تضعَ الأمر في موضعه، أن تضعه في حجمه و دون زيادة أو نقصان، و في أوانه دون تعجيل أو تأخير

عندما يمنحك الله البصيرة سيسمعكَ الله عزّ وجل ما لا يسمع الآخرين، و يريكَ ما لا يري الآخرين

عندئذ تستطيع ان ترى الأشياء في صورتها الحقيقية و ليس كما تبدو ظاهريا

سترى الوجوه خلف الأقنعة و مساحيق التجميل و تنفذ إلى الجوهر 

و ستعرف لماذا خرق الخضر السفينة التي كانت لمساكين يعملون في البحر

وستقرأ (ك ف ر ) على جبهة المسيح الدجال سواء كنت متعلما أو أميا، كاتبا كنت أو غير كاتب 

لكن ماهي الشروط التي ينبغي للمؤمن أن يستوفيها كي يمن الله عليه بنور البصيرة؟

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الشرط الأول لتلقي هذا النور هو ما يقوله هذا الأثر 

" من عمل بما علم اورثه الله علم ما لا يعلم "

هذا العِلمُ الباطن الخفيّ هو ثمرة من ثمرات العبودية لله عزّ وجل، وهو جزاء الصدق مع الله 

فإذا عملت بما علمت عن دين الله، و إذا طبقّتَ كلَّ ما عرفته 
هناكَ شيء ثمينٌ جداً سيتوارد إليك 

وهذا الشيئ هو العلم الباطن او البصيرة 

فإذا علمت ان الصلاة مثلا هي عماد الدين و ان الكذب و النميمة و الغيبة و الحسد هي اخلاق وسلوكيات محرمة تغضب الله و تحجبك عنه ، وان المال الذي يأتي عن طريق الربا هو مال حرام ، وان الصدقات و خدمة الناس و قيام الليل و النوافل تقربك الى الله اكثر ...

اذا عملت بكل ما علمت عندئذ سيعلمّكَ الله عِلمَ ما لم تعلم .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الشرط الثاني هو القلب الطاهر 

"إن الله لا ينظر الى صوركم ولا الى موالكم و لكن ينظر الى قلوبكم و اعمالكم"

فالبصيرة لا تشرق الا في القلوب الطاهرة

وهذا العلم الباطن لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ

جاء في الحديث القدسي قوله تعالى:

عبدي طهّرتَ منظرَ الخلق سنين، أفلا طهرّتَ منظري ساعة؟ 

و منظر الله عزّ وجل هو القلب

فقلبٌ فيه غِلّ، فيه حِقد، فيه حسد، فيه كِبر، فيه استعلاء 
هذا القلب لن يقذف الله به نوراً أبداً، لن يتجلى عليه أبداً، لن يتحفَ صاحبه بمعرفةٍ إشراقية أبداً، طهّر قلبك ليكون بيتَ الرب، طهّر قلبك ليكون أهلاً أن يقذف الله به نوراً

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الشرط الثالث هو البدن الزكي 

اي ان يكون جسدك قد غُذيَّ بالحلال، و ما أكلَ مالاً حراماً قط 

يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:

يا سعدُ، أطب مطعمكَ تكن مستجاب الدعوة

فمن كان مأكله من حرام و ملبسه من حرام، فأنى يستجاب له!


مهما دعى الله، سيكون هناك حجاب بينه و بين الله، و لن يستجاب له، 

ولن يقذف الله في قلبه نور البصيرة

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الشرط الرابع هو مجاهدة النفس و الهوى 

الامام الغزالي يقول : "جاهد تشاهد" 

المجاهدة هي غض بصر, وضبط لسان, وضبط جوارح , و تقرب الى الله و اتصال به.

تريد علماً يكون في قلبك نوراً، تريد علماً تشعر معه انك أسعد الناس؛ وقد تكون أقل مالاً، وقد تكون أقل جاهاً

تريد اتصالاً بالله؛ الاتصال ليس ثمنه المعلومات، الاتصال ثمنه الاستقامة والمجاهدة 

"جاهد تشاهد" 

من أراد الوصول إلى الله فليطعه 

" وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا " 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الشرط الخامس هو رياضةٍ خالصة لله عز و جل 

الرياضة تعني تدريبات شاقة من ذكرٍ لله عزّ وجل، من صلاة النوافل، من قيام الليل، من تلاوة القرآن، و من خدمة الخلق، هذه سماها بعض علماء القلوب الرياضة

يقول الله عز و جل في الحديث القدسي:

وَ لا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ

فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ ؛ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ

وَ بَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ

وَ يَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا

وَ رِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا

وَ إِنْ سَأَلَنِي لأعْطِيَنَّهُ, وإن استعاذ بي أعذته 


هل تعرف ماذا يعني ان يكون الله عز و جل هو بصرك الذي تبصر به، وسمعك الذي تسمع به 

الثمن لذلك هو رياضةٌ خالصةٌ لله عزّ وجل، اي ان تصلي قيام الليل سرا، لا ليعرف الناسَ أنك صليتَ قيام الليل،
ان تتصدق الى الفقراء دون ان تعلم شمالك ما أنفقت يمنيك، لا ليعرف الناس أنكَ أحسنتَ إلى فلان 

الرياضةٌ يجب ان تكون خالصةٌ للهِ عزّ وجل 
و بعد ان تقوم بكل ذلك مع القلب الطاهر و البدن الزكي و المجاهدة و الهمة العالية ، عندئذ أصغ السمع جيدا 

عندئذٍ سيسمعكَ الله عزّ وجل ما لا يسمع الآخرين ، و يريكَ ما لا يري الآخرين 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

و بالبصيرة ستعرف كيف ترتب قطع الفسيفساء التي تتكون منها أحاديث آخر الزمان ترتيبا منطقيا صحيحا كي تتشكل لديك الملامح الرئيسية للصورة 

و ستعرف كذلك ان ترصد الرسائل المشفرة و تفك شيفرتها أيضا

وأن تميز بين العبارات الصريحة وتلك المنطوقة بلغة رمزية او مشفرة 

وستعرف كيف تسبر الأغوار العميقة لكلمات و عبارات النبي الذي أوتي جوامع الكلم 

وستعرف كذلك اين و كيف تستخدم معرفتك الموسوعية العامة في خدمة أحاديث آخر الزمان 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

اعيدوا قراءة هذا المقال مع المقالات الخمسة التي سبقته بالتسلسل قبل ان ننتقل في المنشور الختامي القادم إلى اجراء تطبيق عملي بسيط على كل ما قرأتموه

وسنتابع نفس المنهجية في المقالات القادمة من سلسلة عمر الأمة في 4 مراحل و 4 فتن 

سنتدرب سوية على هذه المنهجية و سنصطاد معا الجواهر الثمينة من بحر العلم النبوي 

وسنكتشف معا كيف يكون العلم ممتعا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ نـور ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وبعدها تستطيع ان تزور المسجد النبوي الشريف و تقف أمام قبر الرسول عليه الصلاة و السلام 

وتقول له 
السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته 

أنا أفهمك الآن يا حبيبي

و أشهد أنك قد بلغت الرسالة

وأديت الأمانة ونصحت الأمة وجاهدت في الله حق جهاده 

فجزاك الله عن أمتك أفضل الجزاء

ولا تنسى أن تخبر سيدي الرسول عليه الصلاة و السلام أني أحبه

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

للحديث بقية 
نور

1 التعليقات:

اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

إرسال تعليق