الثلاثاء، 11 نوفمبر 2014

كيف نفهمُ النبيّ في آخر الزمـان؟ (4/7) النظرة البانورامية الشاملة



إِنِّي أَرَى مَا لا تَرَوْنَ، وَأَسْمَعُ مَا لا تَسْمَعُون

و الله لَوْ تعلمون مَا أَعْلَمُ، لَضَحِكتـُم قَلِيلاً وَلَبَكَيتـُم كَثِيرًا

وَما تَـلَذَّذْتــُمْ بِالنِّسَاءِ عَلَى الْفُرُش، وَلَخَرَجْتـُمْ إِلَى الصُّعُدَاتِ تَجْأَرُونَ إِلَى اللَّهِ.


أخرجه الترمذي في سننه عن رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وَ سلَّم 
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

كما ذكرت في نهاية المقال السابق أن هناك 3 شروط رئيسية يجب أن تتوفر في المسلم الذي يريد أن يرى ما رآه النبي عليه الصلاة و السلام في آخر الزمان

أو بمعنى أصح 
هناك 3 شروط كي تستطيع أن تفهم النبي - صلى الله عليه وسلم - في رؤيته التي أخبرنا بها عن آخر الزمان 

و هذه الشروط الثلاث هي 

أولاً- الثقافة الموسوعية العامة

ثانياً- منهجية البحث الصحيحة التي تعتمد على

أ- النظرة البانورامية الشاملة 
ب- رصد الرسائل النبوية المشفرة العابرة للأجيال وفك شيفرتها 

ثالثاً- البصيرة 
للتمييز بين العبارات الصريحة والعبارات الرمزية أو المشفرة

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أولا- الثقافة الموسوعية العامة 

علم آخر الزمان هو نقيض التخصص 

الأساس هو العلم الشرعي طبعا 
ولكن يجب أن يكون عندك إضافة اليه نصيب وافر من العلوم في شتى المجالات أي خلفية معلوماتية غزيرة في شتى فروع المعرفة ولاسيما اللغة العربية 
سيدنا عمر بن الخطاب يقول "تعلموا العربية فهي من الدين"

و كذلك يجب ان يكون عندك المام مقبول بالتاريخ و الجغرافيا و علوم الاقتصاد و السياسة 
و حتى العلوم التطبيقية كالفيزياء و الطب و الفلك و المناخ 

ويجب أيضا أن يكون عندك اضطلاع على نبوءات آخر الزمان عند أهل الكتاب 

فالتخصص هو عدو علم آخر الزمان 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

في صدر الإسلام و العصر الذهبي للحضارة الإسلامية كان علماؤنا الأفذاذ ذوي ثقافة موسوعية هائلة

ابن سينا الذي عاش في القرن العاشر و ظل كتابه القانون في الطب هو الكتاب الرئيسي في جميع كليات الطب في أوربا حتى القرن السابع عشر، كتب أيضا في الأدب و الفلسفة و حتى الموسيقا

والخوارزمي الذي وضع أسس أنظمة تشغيل الكومبيوتر، كان عالما في الرياضيات و الفلك و اللغة أيضا

والجاحظ كان عالما في الحيوان و الأدب و التاريخ و غيره

أما أنظمة التعليم الغربية المعتمدة اليوم في جامعاتنا العربية
فهي لا تنتج إلا أجيالا من محدودي الأفق و إن كانت أسمائهم مسبوقة بحرف دال (د.) 

فهم يعلمون جانبا من العلم في مجال اختصاصهم لكنهم في أمية مخجلة فيما عدا ذلك

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

و هناك شيء آخر خطير جدا لا ينتبه اليه معظم الناس يتعلق بأنظمة التعليم طول مرحلة الحكم الجبري 

أحد أسباب عدم نبوغ خريجي كليات الشريعة في العالم العربي في علم آخر الزمان بل و لا حتى في الدعوة الإسلامية هي أن النوابغ و الأذكياء في المرحلة الثانوية يتوجهون عادة الى كليات الطب و الهندسة ولا يتبقى للكليات و المعاهد الشرعية الا ذوي معدلات النجاح المتدنية 

فضلا عن طريقة التلقين المقدسة في جميع الكليات الشرعية الحكومية و محاربة من يحاول ان يخرج عن السرب 

وهذه السياسة التعليمية الخبيثة -إن صح تسميتها تعليمية - هي متعمدة و عن سابق إصرار و متفق عليها في كل البلدان العربية التي نادرا ما تتفق على شيئ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

العلم لا يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلك، فإن أعطيت العلم بعضك لم يعطك شيئا 

لذلك إذا أردت أن تفهم على مدينة العلم - النبي عليه الصلاة و السلام - عليك أن تقرأ 

لكن متوسط ما يقرأه الفرد العربي شهريا لا يتجاوز بضع دقائق

معظمنا يريد الحقيقة المطلقة في كبسولة

و طريقة تفكيرنا و تحليلنا للأمور أيضا تأثرت بالنظام الأمريكي لأسئلة الامتحانات ذات الخيارات المتعددة و المعتمد في معظم جامعاتنا 

فأصبحنا نبحث عن الحكمة من خلال أربع إجابات وكأننا في برنامج من سيربح المليون

لذلك ليس غريبا أننا لا نفهم نبينا في آخر الزمان

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

عليك أن تقرأ، لكن بنفس الوقت عليك أن تعرف كيف تقرأ 

أي عليك أن تعرف المنهجية الصحيحة في دراسة أحاديث آخر الزمان

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ثانيا- المنهجية الصحيحة في البحث و الدراسة 

كما سبق وأخبرتكم في المقال الثاني أنه هناك 3 اتجاهات أو 3 فرق في مقاربة أحاديث آخر الزمان، و لكل اتجاه محاسنه ، ومساوئه 

أما المنهجية الرابعة و الصحيحة برأيي أنا العبد الفقير فهي ما تحاول أن تجمع بين محاسن كل طريقة، و تتجاوز مساوئها وتضيف بصمتها الخاصة

اعمل العقل و التحليل في الأحاديث وارفض أي تأويل يخالف القرآن (كما يفعل الفريق الأول) 

احترم قدسية النص، و تعامل معه كمن يتعامل مع جوهرة نادرة ( كما يفعل الفريق الثاني)

و توقع وجود لغة رمزية في الأحاديث تحتاج إلى تأويل (كما يفعل الفريق الثالث) 

يجب أن تضع المبادئ السابقة في الحسبان قبل أن تبدأ بآلية التنفيذ 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

و آلية التنفيذ بدورها تتكون من أو تعتمد على أمرين اثنين 

1- الأمر الأول هو النظرة البانورامية الشاملة 

2- و الأمر الثاني هو رصد و تمييز الرسائل المشفرة العابرة للأجيال

لكن دعونا الآن نتحدث عن الأمر الأول في المنهجية الصحيحة لدراسة أحاديث آخر الزمان 

و هو النظرة البانورامية الشاملة 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أحاديث آخر الزمان هي كقطع الفسيفساء ، كل حديث في موضوع معين - كموضوع المهدي، أو الرايات السود أو الروم مثلا - كل حديث يرسم جزء من الصورة

رتب الأجزاء مع بعضها بطريقة منطقية كي ترتسم لديك الصورة الكاملة 

لا تأخذ آية قرآنية بشكل مفرد أو حديث نبوي بشكل منعزل و تستنبط منه معلومة ما أو حكما عقليا 

وإنما يجب أن تجمع كل البيانات المتعلقة بموضوع البحث من القرآن و الأحاديث و الآثار ثم تحاول أن تجد الحبل المنطقي أو نظام المعنى الذي يربط فيما بينها جميعا دون أن يكون هناك تنافر أو تناقض في المعنى مستفيدا من ثقافتك الموسوعية في عملية الربط 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

إذا أردت أن تبحث في موضوع معين فعليك أن تبدأ بحثك من القرآن أولا 
و عليك أن تبحث في كل القرآن

فمن الخطأ أن تأخذ آية واحدة تتحدث عن موضوع معين و تبني عليها لوحدها حكما أو استنتاجا عقليا 

حاول أن تجمع جميع الآيات القرآنية ذات الصلة و المتعلقة بموضوع البحث و ضعها جميعها على الطاولة، ثم حاول أن تدمجها مع بعضها أو ترتبها بشكل متجانس و متناسق حتى تجد نظام المعنى الذي يربط جميع الآيات مع بعضها دون أن يكون هناك أي تناقض أو تضارب في المعنى 

* البرمجيات المزودة بمحركات البحث سهلت المهمة على الباحثين كثيرا * 

** و يقصد بنظام المعنى الحبل المنطقي الذي يربط الآيات مع بعضها البعض فكل آية ستضيء جزءا من الموضوع حتى يتشكل عندك جزء كبير من الصورة **
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

هذا بالنسبة للقرآن الكريم وهو الكتاب الذي تعهد الله بحفظه من التحريف، و فيه نوعين من الآيات: آيات محكمات أي صريحة و واضحة، و أخر متشابهات و هذه تحتاج لتأويل و لا يعلم تأويلها إلا الراسخون في العلم 
لذلك ستحتاج للبصيرة في هذه المرحلة ،و أيضا الإستعانة بأهل الذكر 

وسنتحدث لاحقا في المقال السادس من هذه السلسلة كيف يمكن أن يكون قلبك جديرا بتلقي نور البصيرة و كيف تقوي إبرة بوصلتك الداخلية 
فالفرص متاحة للجميع، و لا كهنوت في الإسلام عند أهل السنة

ولكن هناك جهد يجب أن يبذل و ثمن يجب أن يدفع كي يشرق في قلبك نور البصيرة لترى ما لا يراه الآخرون

فالبصيرة لا تكتسب بالتعلم و إنما بالمجاهدة 

وكما قال الإمام الغزالي 

جاهد تشاهد

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بعد ذلك انتقل للأحاديث النبوية المتعلقة بموضوع بحثك

و لكن يجب أن تتذكر أن الأحاديث ليست جميعها على نفس درجة القوة فهناك أحاديث صحيحة و حسنة و ضعيفة

وهذا التصنيف لا علاقة له بمتن الحديث أو مضمونه و إنما فقط يتعلق بالسند 
فأحيانا يكون المضمون صحيح (أي المتن صحيح) ويصدقه الواقع لكن علماء الحديث بسبب منهجهم الصارم ضعفوا الحديث بسبب السند

أي بسبب وجود ضعف في سلسلة الرواة الذين نقلوا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه و سلم ( متصلة أم منقطعة، جميعهم ثقات عدول، أم فيهم واحد عرف عنه النسيان أو دون ذلك ... الخ )

لكن في جميع الحالات إذا وجدت - فرضا - حديثا يناقض صريح القرآن و يخالف نظام المعنى الذي تكون لديك من الآيات القرآنية فلا تأخذ به، 
حتى لو كان موجودا في صحيحي البخاري و مسلم اللذين روعي فيهما أشد معايير الصرامة العلمية و الضبط 

فالقرآن هو الحكم على الحديث و ليس العكس.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

في منهجية النظرة البانورامية الشاملة نحن عادة لا نهمل أي حديث، أو أثر، طالما كان منسجما مع نظام المعنى لأن ما وصلنا هو أصلا لا يمثل إلا النزر اليسير مما اخبر به الرسول فعليا، لذلك نتعامل مع أي أثر و كأننا نتعامل مع جواهر نادرة.

لذا أي حديث له علاقة بموضوع بحثك حتى لو كان من الأحاديث الضعيفة (الضعيف و ليس الموضوع) ربما يكون له محل من الإعراب 
و قد يضيف رتوش أو تفاصيل صغيرة للصورة الكبيرة التي رسمت ملامحها الرئيسية الآيات القرآنية و الأحاديث الصحيحة.

إذن 

هناك حبل منطقي يجب أن يتشكل في البداية من القرآن أو صحيح السنة ، ثم تأتي بقية الأحاديث التي لا تتناقض مع هذا الحبل المنطقي الذي تشكل سابقا لتضيف تفاصيل صغيرة للموضوع.

و في المقالة السابعة و الأخيرة من هذه السلسلة سنضرب أمثلة على ذلك، ونقوم بإجراء تطبيق عملي 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بعد ذلك انتقل لرصد و تمييز الرسائل المشفرة العابرة للأجيال كي تكتمل معك كل تفاصيل الصورة 

لكن 

لماذا لم يذكر الرسول عليه الصلاة و السلام بعض الأمور المتعلقة بآخر الزمان بطريقة صريحة واستخدم الترميز و التشفير؟

و ما هي المواضع التي نشك باحتوائها على رسائل مشفرة، وأين يجب أن تتم عمليات التنقيب لكشف تلك الرسائل ؟

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ نـور ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

للحديث بقية

0 التعليقات:

إرسال تعليق